
لماذا يعتبر الذكاء الاصطناعي أحد عوامل ازدهار المجتمع العراقي في عصر التحول
بقلم: ماردين عبد الله أنور، مدير تقنية المعلومات والاتصالات والإحصاء في جامعة صلاح الدين – أربيل في العراق
أصبح الحديث عن نشر تطبيقات الذكاء الاصطناعي خلال العقد القادم في جميع المجالات من الأمور الشائعة جدًا لما في ذلك من أثر ايجابي على التنمية الاجتماعية والاقتصادية في المستقبل، فوفقاً لدراسة أجرتها مؤسسة جارتنر، زاد عدد الشركات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي بنسبة 270٪ في السنوات الأخيرة. وسيؤدي الاستخدام الواسع النطاق للذكاء الاصطناعي إلى زيادة الطلب على التقنيات الذكية ودعم المنتجات والصناعات والشركات ونماذج العمل الجديدة.
ورغم التاريخ الطويل للأتمتة في قطاعات مثل التصنيع، فإنه يُنظر إلى الهندسة الميكانيكية على أنها الوجهة القادمة لإضافة التقنيات الذكية، ويتوقع الخبراء حدوث تحول في طريقة تصميم المكونات والآلات وتطويرها واختبارها.
لا يختلف استخدام الذكاء الاصطناعي في قسم الهندسة الميكانيكية في جامعة صلاح الدين جوهرياً عن أتمتة المصانع، فالفكرة الأساسية هي نقل المهام المتكررة والشاقة إلى آلات يمكنها أداؤها بكفاءة أكبر وبتكلفة أقل. وفي الهندسة الميكانيكية، سيتحمل الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة مسؤولية الكثير من عمليات معالجة البيانات، مما يفسح المجال أمام المهندسين للتركيز على استخدام مهاراتهم وخبراتهم التحليلية لاتخاذ القرارات النهائية.
صممنا المقرر التعليمي للذكاء الاصطناعي في الجامعة بحيث يجمع بين التعليم النظري والأساليب العملية، مما ساعد الطلاب بشكل كبير على تنفيذ التقنية في تطبيقات عملية. ولذلك السبب نرى أن للذكاء الاصطناعي تأثيراً كبيراً على الطلاب عند تطبيقه في سيناريوهات الحياة الواقعية. وقد تمكن الطلاب من اكتشاف الأخطاء في الأجهزة الميكانيكية والتعرف عليها بشكل متكرر باستخدام المعرفة التي اكتسبوها من الدورة التدريبية.
إضافةً إلى ذلك، تُنتج تقنيات الثورة الصناعية الرابعة مثل إنترنت الأشياء كميات كبيرة من بيانات التشغيل والصيانة، ويتجاوز تحليل كل هذه البيانات القدرات البشرية، مما يعزز انتشار تطبيقات الذكاء الاصطناعي. وتتوقع رؤية “هواوي للصناعة العالمية” أن تصل البيانات المتراكمة إلى 180 زيتابايت في العام 2025، وهو ما يتجاوز بكثير قدرة المعالجة البشرية للبيانات. وتعتبر البيانات أحد الأصول المهمة للمؤسسات، ولذلك فإن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات ومعالجتها بكفاءة واتخاذ القرارات يعزز الإنتاج والقدرات الذكية للمؤسسات. وسيصبح ذلك الدور مهمة أساسية في العمليات التجارية للمؤسسات. وتقدر هواوي أنه بحلول العام 2025، ستستخدم 86% من الشركات العالمية تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وتمثل عمليات الصيانة التنبؤية القائمة على الذكاء الاصطناعي إحدى الفوائد الأخرى التي توفرها هذه التقنيات للمؤسسات، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي استيعاب كميات كبيرة من البيانات وتوقع المشكلات المحتملة ومعالجتها قبل أن تؤدي إلى توقف العمليات أو الخدمات أو الأنظمة. ويعد امتلاك قدرات الصيانة التنبؤية القوية عاملاً ممكّناً للشركات على توقع الأعطال المحتملة في الخدمة قبل حدوثها والاستجابة بشكل استباقي قبل توقف الخدمات نهائياً. فعلى سبيل المثال، في قطاع النفط والغاز، يعتبر إرسال فرق الصيانة إلى منصات البترول لإجراء عمليات التفتيش الروتينية أمراً مكلفاً وخطيراً.
ولكن يحذر الخبراء من أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي المنتشرة على نطاق واسع ستؤدي إلى تفاقم الأزمة الحادة بالفعل المتعلقة بنقص المهارات التقنية. ولذلك، يقع التركيز المتجدد على تنمية مهارات تقنية المعلومات والاتصالات على رأس الأولويات في العراق والعديد من الدول في الشرق الأوسط. ويمكن للجامعات أن تؤدي دوراً كبيراً في ذلك، من خلال الاستفادة من قدرات شركات وقطاع التقنية لتعريف الطلاب بالتقنيات المتطورة التي يمكن أن يتوقعوها في العالم الحقيقي.
وتقدم هواوي مثالاً ممتازاً للتعاون بين المؤسسات والجامعات في دعم تنمية المواهب. فعلى الرغم من انخفاض الإيرادات في العام الماضي، واصلت الشركة تخصيص موارد كبيرة لدعم النظم الإيكولوجية للمواهب الصاعدة. وتشمل هذه المبادرات أكاديمية هواوي لتقنية المعلومات والاتصالات، وهي شراكة غير هادفة للربح يمكن من خلالها للجامعات والكليات في جميع أنحاء العالم تزويد الطلاب بدورات تدريبية وشهادات معتمدة من هواوي وتقدرها الشركات. ويعمل البرنامج بمثابة جسر بين الشركات والكليات، مما يساعد على بناء نظام إيكولوجي للمواهب في قطاع تقنية المعلومات والاتصالات.
كما أعلنت هواوي عن ترقية برنامجها الرائد في مجال المسؤولية الاجتماعية في العام الماضي، حيث أطلقت برنامج “بذور من أجل برنامج المستقبل 2,0″، وتعهدت هواوي باستثمار 150 مليون دولار أمريكي في إطار هذا البرنامج من أجل تطوير المواهب الرقمية على مدار السنوات الخمس المقبلة بهدف تحقيق الاستفادة لأكثر من ثلاثة ملايين شخص.
واستضافت جامعة صلاح الدين في أربيل أكاديمية هواوي لتقنية المعلومات والاتصالات منذ العام 2020. ويستفيد طلابنا من برنامج تطوير مواهب قطاع تقنية المعلومات والاتصالات مع تزويد الشركات العراقية والمؤسسات العامة بالمواهب عالية الجودة في القطاع. فعلى سبيل المثال، حصل فريقان يتألفان من طلاب من جامعة صلاح الدين وجامعات محلية أخرى على جائزة المركز الثالث في نسخة 2021 من مسابقة هواوي لتقنية المعلومات والاتصالات في منطقة الشرق الأوسط.
تتطور سيناريوهات الاستخدام وتجارب المستخدم في العالم الذكي الذي يركز على المستهلك. ويتواصل اختفاء الحدود بين المنتجات والخدمات من خلال العديد من السيناريوهات المتقاربة، التي تتضمن المنزل والسفر والمكتب والترفيه واللياقة والصحة. وقريباً، سينتقل المحتوى والخدمات بأكملها مع المستخدمين لتوفير تجربة شاملة وسلسة تماماً، حيث سيمنح التعاون الذكي بين البرامج والأجهزة المستخدمين تجربة ذكية في أي وقت وفي أي مكان، كما سترتقي تطورات التفاعل الطبيعي وتعلم الآلة بجودة خدمة الأجهزة الذكية إلى مستوى جديد تماماً. وفي الوقت نفسه، ستتمكن الأجهزة الذكية من تحديد متطلبات المستخدمين وفهمها والاستجابة لها بشكل أفضل عبر السيناريوهات المختلفة طوال اليوم، مما يمهد الطريق لتقديم تجربة مخصصة. هذا هو المستقبل الذي ينتظر شبابنا، وعلينا أن نجهزهم بالموارد اللازمة لصناعة هذا المستقبل بما يحقق صالح مجتمعنا كله وليس العيش فيه وحسب.